الخميس، يونيو 05، 2014

مكارم الأخلاق (8)

وليس حسن الخلق كلمة تُقال، ولا درسًا يُلْقَى، ولا فلسفة نظرية مُجَرَّدة وحسْب؛ بل هو سلوكٌ عملي، يظهر أثره في التصرُّفات والمعاملات؛ فقد وصفه عبدالله بن المبارك - رحمه الله - بأنه: "بسْط الوَجْه، وبذْل المعروف، وكف الأذى))، بسط الوجه؛ أي: طلاقته، وإشراقه عند مُقابَلة الناس، من غير عبوس ولا تقطيب، وذلك حقيقة البر:
بُنِيَّ إِنَّ البِرَّ شَيْءٌ هَيِّنُ        وَجْهٌ طَلِيقٌ وَلِسَانٌ لَيِّنُ

لقد تَكَبْكَبَتِ الأحزان على نُفُوس كثير منَ الناس، وجثمتِ المآسي على صُدُورهم، واستسلموا لها حتى غابتْ عنهم الابتسامة أو كادتْ؛ أزيد من مليار شخص في العالَم مُصابُون باضطرابات نفسيَّة - حسب منظمة الصِّحَّة العالمية - وفي بلدنا (المغرب) - وحسب إحصاء لوزيرة الصحة -:
26% منَ المَغَارِبة يُعانون مِن مرض الاكتئاب، و 
6.6 % يعانون منَ الوسواس القَهْري، و 

5.6 % يعانون منَ الأمراض الذهانية، و 

6.3% يعانون من الرهاب الاجتماعي، و 

9 % يعانون منَ الخوف الداخلي العام، هؤلاءِ يحتاجون منَّا إلى اللمسة الحانية، والمبادرة المفرحة، والمعاملة الرفيقة اللطيفة.
أُحِبُّ الفَتَى يَنْفِي الفَوَاحِشَ سَمْعُهُ        كَأَنَّ  بِهِ  عَنْ  كُلِّ  فَاحِشَةٍ   وَقْرَا
سَلِيمُ دَوَاعِي الصَّدْرِ لا طَالِبًا أَذًى        وَلا مَانِعًا  خَيْرًا  وَلا  قَائِلاً  هُجْرَا
وتأمَّل في هذا الخلق العجيب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي بَعَثَهُ الله رحمةً للنَّاس، قال أنس بن مالك - رضي الله عنه -: "كنتُ أمشي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابيٌّ، فجبذه بردائه جبذة شديدة، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أثرتْ بها حاشية البرد، من شدة جَبْذَته - وعند مسلم: فجاذبه حتى انشقَّ البرد، وحتَّى بقيتْ حاشيته في عنق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يا محمد، مُر لي من مال الله الذي عندك، فالْتَفَتَ رسول - صلى الله عليه وسلم - ثم ضحِك، ثم أمر له بعطاء"؛ متفق عليه.
بَنَيْتَ لَهُمْ مِنَ  الأَخْلاَقِ  رُكْنًا        فَخَانُوا الرُّكْنَ فَانْهَدَمَ اضْطِرَابَا
وَكَانَ   جَنَابُهُمْ   فِيهَا    مَهِيبَا        وَلَلأَخْلاَقُ  أَجْدَرُ   أَنْ   تُهَابَا
فأين نحن - عباد الله - من هذه الشِّيَم النبيلة، والأخلاق الرفيعة؟!

 لماذا يكثر بيننا الغش والخداع؟ لماذا المحاكم مَلأَى بقضايا الظُّلم والاعتداء؟ لماذا الجريمة مُتَفَشِّيَة بيننا بمختلف صنوفِها وألوانها؟ ونتساءل - بعد ذلك -: لماذا لا يستجيبُ الله دعاءنا في ردِّ أعدائِنا عنَّا؟ يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يزال يُستجاب للعبد ما لم يدعُ بإثم أو قطيعة رحم))؛ مسلم.

لمَّا كان المسلمون الفاتحون للأندلُس صادقين، قال فيهم أحد قادة لذْريق: "لقد نزل بأرضنا قوم، لا ندري أهبطوا من السماء، أم نبعوا من الأرض"، لكن ما لبثوا أن أضاعوا هذا الحصْن، حينما فسدتْ أخلاقُهم، وانشغلوا بالمَلَذَّات والتفاهات، قال أحد كتَّاب النصارى: "العرب هوَوْا حينما نسوا فضائلهم التي جاؤوا بها، وأصبحوا على قلب متقلب، يَميل إلى الخفَّة والمرح، والاسترسال بالشهوات"، {
أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} [الأعراف: 100].

قيل لإبراهيم بن نصر الكرماني: "إنَّ الظالم فلانًا دخل مكَّة، فقتل وصنع، وكثر الدعاء عليه فلم يستجب للداعين؟ فقال: لأنَّ فيهم عشر خصال، فكيف يستجاب لهم؟ قالوا: وما هنَّ؟ قال:
الأول: أقرُّوا بالله، وتركوا أمره،

والثاني: قالوا: نحب الرسول، ولم يتبعوا سنته، 

والثالث: قرؤوا القرآن، ولم يعملوا به، والرابع: زعموا حب الجنة، وتركوا طريقها،

والخامس: قالوا: نكره النار، وزاحموا طريقها،

والسادس: قالوا: إن إبليس عدونا، فوافقوه،

والسابع: دفنوا موتاهم، فلم يعتبروا، 

والثامن: اشتغلوا بعيوب إخوانهم، ونسوا عيوبهم، 

والتاسع: جمعوا المال، ونسوا يوم الحساب،

والعاشر: نفضوا القبور، وبنوا القصور".
أَحْسَنْتَ ظَنَّكَ بِالأَيَّامِ إِذْ حَسُنَتْ        وَلَمْ تَخَفْ سُوءَ مَا يَأْتِي بِهِ القَدَرُ
وَسَالَمَتْكَ اللَّيَالِي  فَاغْتَرَرْتَ  بِهَا        وَعِنْدَ صَفْوِ اللَّيَالِي يَحْدُثُ الكَدَرُ