الخميس، يونيو 05، 2014

مكارم الاخلاق (7)

لما غاب كثيرٌ من هذه الأخلاق الرفيعة عن المسلمين، وكَلهم اللهُ إلى أنفسهم، فضَنكت معيشتُهم، وقلَّت حيلتهم، فتفشَّت فيهم الأميَّة، وانتشرت بينهم الأمراض، وعظمت بينهم الصراعات، فضعفت هِمَمهم، وذهبت ريحهم، وسلَّط الله عليهم عدوًّا من غيرهم، فاستباحوا أراضيَهم، وأخذوا بعض ما في أيديهم، وأمامنا نكبة فلسطين، حيث الحرمات مستباحة، والدماء مسفوحة، والمساجد تهدم، والمستشفيات تقصف، متوسط الجرائم أكثر من 60 قتيلاً و230 جريحًا يوميًّا، طيلة ثلاثة وعشرين يومًا، بلا شفقة ولا رحمة، قال – تعالى -: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً} [التوبة: 8]، ولكن بالأخلاق الفاضلة ينتصِر المسلمون، بالتصرُّفات السديدة يَسُود المسلمون، بتحكيم أوامر كتاب الله وسنَّة رسوله يعزُّ المسلمون، {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [المنافقون: 8].

وقد أُثر عن عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه - أنَّه قال: "نحن قومٌ أعزَّنا الله بالإسلام، فمَن ابتغى العزة في غيره، أذلَّه الله"، وفي وصيته - رضي الله عنه - لسعد بن أبي وقاص ومن معه من الجنود، قال: "وإنما يُنصر المسلمون بمعصية عدوِّهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوَّة؛ لأن عددنا   ليس كعددهم، ولا عُدَّتنا كعُدَّتهم، فإنِ استوينا في المعصية، كان لهم الفضل علينا في   القوَّة، وإلاَّ نُنصَر عليهم بفضلنا، لم نغلبهم بقوَّتنا".

فلنتَّقِ الله في أنفسنا - عباد الله - ولنتخلق بأخلاق الإسلام، ولنقلع عن المعاصي والآثام، قال عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما -: "إنَّ للسيئة اسودادًا في الوجه، وظلمةً في القلب، ووهنًا في البدن، ونقصًا في الرزق، وبغضًا في قلوب الخلق"، فاللهم زينَّا بزينة الإسلام، ومتِّعنا بنعمة الإيمان.
   

َّان الله - تعالى - إذا أراد بعبْدٍ خيرًا، هداهُ إلى صالِح الأخلاق، وجميل الأفعال؛ فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر - رضي الله عنه -: ((اتَّقِ الله حيثما كنت، وأتْبع السيئة الحسنة تمحها، وخالِق الناسَ بِخُلق حسن))؛ رواه الترمذي، وهو حديثٌ حسن، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أكمل المؤمنين إيمانًا، أحسنهم خلقًا))؛ رواه أبو داود، وهو حسن صحيح.

فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان خلقه القرآن، لا يصدر إلاَّ عنه، ولا يَتَكَلَّم إلاَّ به، ولا يحاكم الناس إلا إليه، قال - تعالى -: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء: 9]، فحُسن الخلق ميدانٌ للتنافُس بين المؤمنين، ومِضْمار للسِّباق نحو الفوز برضا ربِّ العالمين، فقد سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال: ((تقوى الله، وحُسن الخلق))؛ ص. الترمذي، وعن أبي أُمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أنا زعيمٌ ببيت في ربَض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًّا، وببيت في وسط الجنة لِمَن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لِمن حسُن خلقُه))؛ ص. ابن ماجه.

وأنت أيها المؤمن، قد تأتي بجبال منَ المعاصي، وأكوام منَ الذنوب، فيأتي حُسن معاملتك للناس في الدنيا، وسلامة أخلاقك معهم، فيكون ذلك شافعًا لكَ لدخول الجنة؛ فعن أبي الدَّرْداء - رضي الله عنه - قال: سمعتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حُسن الخلق))؛ ص. الترمذي

ليست هناك تعليقات: