ولا
شكَّ أنَّ المسلم الذي يخالط الناس، يجد نفسه بين فئتين منهم تتجاذبانِه: فئةِ الأخيار،
تدعوه إلى الخير والصلاح، وفئةِ الأشرار، تجذبه إلى الشر والفساد وسوء الأخلاق،
قال - عليه الصلاة والسلام - من حديث أبي سعيد الخدري: ((ما بعث الله من نبي، ولا
استخلف من خليفة، إلا كانت له بطانتان: بطانةٌ تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانةٌ
تأمره بالشر وتحضه عليه، فالمعصوم من عصمه الله))؛ البخاري.
ولهذا كان التزام الفئة الخيرة ضروريًّا لاستقامة الحياة وسعادتها؛ فقد أوصى الله
- تعالى - رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم - فقال: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ
الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ
وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا
تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ
أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28].
وفي "صحيح مسلم" عن سعد بن أبي وقَّاص قال: "كنا مع النبي - صلى
الله عليه وسلم - ستَّة نفر، فقال المشركون للنبي - صلى الله عليه وسلم -: اطرد
هؤلاء، لا يجترئون عليْنا، قال: وكنت أنا (أي: سعد بن أبي وقاص) وابن مسعود، ورجل
من هذيل، وبلال، ورجُلان لست أسمِّيهما، فوقع في نفس رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - ما شاء الله أن يقع، فحدَّث نفسه، فأنزل الله: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ
يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام:
52]"، هكذا تتغير نظرة الناس إلى الآخر، مركزة على معايير غير حقيقية، يقول
الإمام الشافعي - رحمه الله -:
عَلَيَّ ثِيَابٌ لَوْ يُبَاعُ جَمِيعُهَا بِفَلْسٍ لَكَانَ الفَلْسُ مِنْهُنَّ أَكْثَرَا
وَفِيهِنَّ نَفْسٌ لَوْ يُقَاسُ بِبَعْضِهَا نُفُوسُ الوَرَى كَانَتْ أَجَلَّ وَأَكْبَرَا
|
قال
الفضيل بن عياض: "اتبعْ طرق الهدى، ولا يضرك قلَّة السالكين، وإياك وطرقَ
الضلالة، ولا تغترَّ بكثرة الهالكين"، وصدق والله.
كَمْ مِنْ أَخٍ لَكَ لَمْ يَلِدْهُ أَبُوكَا وَأَخٍ أَبُوهُ أَبُوكَ قَدْ يَجْفُوكَا
صَافِ الكِرَامَ إِذَا أَرَدْتَ إِخَاءَهُمْ وَاعْلَمْ بِأَنَّ أَخَا الحِفَاظِ أَخُوكَا كَمْ إِخْوَةٍ لَكَ لَمْ يَلِدْكَ أَبُوهُمُ وَكَأَنَّمَا آبَاؤُهُمْ وَلَدُوكَا |
ولذلك سمعت في الحديث السابق: ((ومَن مشى مع أخيه
المسلم في حاجته حتى يثبتها له، أثبت الله قدمه يوم تزل الأقدام)).
فمن كمال
الخُلق: أن تنبسط في وجه أخيك، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((تبسُّمك
في وجه أخيك صدقة)) "ص. الترغيب"، وقال أبو جعفر المنصور: "إن
أحببتَ أن يكثر الثناءُ الجميل عليك من الناس بغير نائل، فالْقَهُمْ بِبِشْر
حسن"، وتأمل في هذه القصة البديعة الرقراقة، التي يرويها عمرو بن العاص - رضي
الله عنه - قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُقبِل بوجهه وحديثه
على أشرِّ القوم، يتألَّفهم بذلك، فكان يقبل بوجهه وحديثه عليَّ، حتى ظننتُ أني
خير القوم، فقلت: يا رسولَ الله، أنا خير أم أبو بكر؟ قال: ((أبو بكر))، فقلت: يا
رسولَ الله، أنا خير أم عمر؟ قال: ((عمر))، فقلت: يا رسول الله، أنا خير أم عثمان؟
قال: ((عثمان))، فلمَّا سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صَدَقَنِي،
فلودِدتُ أني لم أسأله"؛ رواه الطبراني، وحسَّنه في "مختصر
الشمائل".
ومن كمال الأخلاق: الصبرُ على أذى الجاهلين، ونكايةِ الغافلين، قال تعالى -: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134]، ومن عجائب أخلاق الأحنف بن قيس - وكان سيِّدًا في قومه، إذا غضب غضب له مائةُ ألف، لا يسألونه فيم غضب - أنَّه كان يسير يومًا إلى منزله، ووراءَه رجل يتبعه منذ مسافة، يسبُّه ويشتمه، فلمَّا قرب الأحنفُ من بيته (أي من حارتِه) وقف، وقال لهذا الرجل: "يا أخي، أعْطِني ما بقي عندك، أكمل السب والشتم"، فاستغرب الرجل وقال: لماذا؟! قال: "أخشى أن يراك سفهاءُ قومِنا فيؤذوك، وأنا لا أريد أن يؤذوك"، فأطرَقَ الرجل حياءً وانصرف.
يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((أربع إذا كُنَّ فيك، فلا عليك ما فاتك من الدنيا: صدقُ الحديث، وحفظُ الأمانة، وحسنُ الخلق، وعفَّةُ مطعم))؛ "ص. الجامع".
ومن كمال الأخلاق: الصبرُ على أذى الجاهلين، ونكايةِ الغافلين، قال تعالى -: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134]، ومن عجائب أخلاق الأحنف بن قيس - وكان سيِّدًا في قومه، إذا غضب غضب له مائةُ ألف، لا يسألونه فيم غضب - أنَّه كان يسير يومًا إلى منزله، ووراءَه رجل يتبعه منذ مسافة، يسبُّه ويشتمه، فلمَّا قرب الأحنفُ من بيته (أي من حارتِه) وقف، وقال لهذا الرجل: "يا أخي، أعْطِني ما بقي عندك، أكمل السب والشتم"، فاستغرب الرجل وقال: لماذا؟! قال: "أخشى أن يراك سفهاءُ قومِنا فيؤذوك، وأنا لا أريد أن يؤذوك"، فأطرَقَ الرجل حياءً وانصرف.
يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((أربع إذا كُنَّ فيك، فلا عليك ما فاتك من الدنيا: صدقُ الحديث، وحفظُ الأمانة، وحسنُ الخلق، وعفَّةُ مطعم))؛ "ص. الجامع".
(يتبع)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق