منقول عن جريدة التحرير بقلم خالد داوود
ما هو سر هذا الإصرار العنيد من قبل الإخوان المسلمين وأنصارهم من السلفيين فى رفض اقتراح وضع مبادئ حاكمة لدستور مصر ما بعد ثورة 25 يناير؟ نريد مبادئ تضمن الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين، كل المواطنين، كما هى واردة فى الميثاق العالمى لحقوق الإنسان وكل المعاهدات الدولية التى قامت مصر بالتوقيع عليها منذ عقود. نريد وطنا يتمتع فيه الجميع بالمساواة فى الحقوق والواجبات بغض النظر عن دينهم وعرقهم وجنسهم، وبغض النظر عن أى رئيس أو حكومة تتولى شؤون مصر فى المستقبل. لماذا يرفض الإخوان هذه المبادئ وتثير حفيظتهم لدرجة تهديدهم لنا جميعا فى بيان رسمى بأنه قد يحدث «ما لا تحمد عقباه» فى حال أقر المجلس العسكرى مجموعة مبادئ حاكمة للجنة التأسيسية التى ستضع دستور مصر المقبل؟
المؤكد أن المسألة لا ترتبط بنتائج استفتاء 19 مارس الشهير، الذى لم يكن متعلقا بمضمون دستور مصر المقبل، أو الخدعة والكذبة التى روج لها الإخوان وأنصارهم من أن التصويت بـ«لا» معناه إلغاء المادة الثانية من الدستور التى تنص على أن «مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع». غالبية المصريين صوتوا بـ«نعم» لأنهم كانوا يأملون أن تكون المواد التى طرحها المجلس العسكرى للاستفتاء بداية لعودة الاستقرار والحياة الطبيعية، كمقدمة لتحسن أوضاعهم الاقتصادية السيئة وجنى ثمار الثورة. لكن الإخوان المسلمين استغلوا النتيجة وحرفوا معناها لكى يفسروها بأنها ضوء أخضر للحزب السياسى، الذى سيشكل الأغلبية فى البرلمان المقبل لكى يتولى صياغة الدستور كما يشاء ووفقا لمعتقداته السياسية والأيديولوجية فقط. تناسى الإخوان، المهتمون فقط بهدفهم النهائى وهو إنشاء الخلافة الإسلامية، وبغض النظر عن اهتمامات المصريين، أن الدستور هو تعبير عن إجماع ومصالح الأمة بكل طوائفها وليس المواقف السياسية لحزب بعينه. فالمفترض أن الأحزاب الحاكمة تتغير ولا تبقى فى الحكم إلى الأبد، ولذلك فإن الدستور بمبادئه العامة يطول ويبقى، بينما تتغير الحكومات.
لكن الإخوان، وكما هى عادتهم على مدى تاريخهم الطويل، يظهرون غير ما يبطنون، وهم من الأنصار الأقوياء لمقولة «لكل مقام مقال». فإذا اجتمع قادة الإخوان مع الدبلوماسيين أو الصحفيين الغربيين، يصدرون لهم الأوجه البشوشة ذات الذقون الحليقة لكى ينسجوا لهم كل الحجج التى تزعم أنهم ملائكة يؤمنون بالحرية وحقوق المرأة والأقليات، كما أعتى أعضاء الأحزاب الليبرالية فى الغرب. أما فى اجتماعاتهم المغلقة وبين أنصارهم، فيكون الخطاب مختلفا تماما ومعبرا عن المواقف الرجعية والضيقة التى يقوم عليها الفكر السياسى للإخوان.
قبل شهور من حملة الاعتقالات الواسعة التى أجرتها السلطات الأمنية فى عهد الرئيس المخلوع مبارك ضد قيادات الإخوان فى عام 1995، بعد أن تبين لهم أن السماح لهم بالسيطرة على النقابات والتمتع بحرية العمل لم يساعدهم على كسب المعركة ضد الجماعات الإسلامية المسلحة كالجماعة الإسلامية والجهاد، كان الإخوان يشعرون بأنهم فى قمة عنفوانهم. فى تلك الفترة، أجريت حوارا صحفيا مع الراحل مأمون الهضيبى الذى كان يشغل منصب نائب المرشد العام، وقال لى صراحة إن «95 فى المئة من المصريين مسلمون وبالتالى فإن الغالبية يريدون تطبيق الشريعة الإسلامية، ومن يرفض ذلك هم الأقلية». أى هى نفس عقلية الحزب الوطنى الديمقراطى الديكتاتورية التى ترى أن الحصول على الأغلبية، وبغض النظر عن أى تزوير أو تزييف لوعى الناخبين والتلاعب بمشاعرهم الدينية الحقيقية، يعنى محو أى معارضة واعتبارها أقلية لا حقوق لها. هذه المقولة إن 90 أو 95 فى المئة من المصريين يؤيدون الإخوان فقط لأنهم مسلمون لا تزال هى السائدة حتى الآن بين صفوف قيادات الإخوان. سمعتها منهم فى عام 1995، وسمعتها فى انتخابات 2010 المزورة الأخيرة.
وفى عام 1997، أجريت حوارا مع المرشد العام الراحل لجماعة الإخوان المسلمين السيد مصطفى شهور. أعترف أننى حاولت اكتساب ثقته بتوجيه أسئلة تتضمن خطابا إسلاميا بحكم الجيرة وخبرة التعامل مع الإسلاميين. ويبدو أنه بعد شعوره بالثقة أو الراحة تجاهى، تحدث بكل صراحة وصدق وقال إنه فى حال وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم، فإنهم سيقومون بإقصاء الأقباط من القوات المسلحة وذلك لأن «جيش الدولة المسلمة مهمته إعلاء كلمة الله، وما دام أنهم لا يتفقون معنا فى العقيدة، فكيف نقوم بإجبارهم على الانضمام إلى جيش دولة مسلمة يحارب من أجل إعلاء كلمة الله؟». الأمر بالنسبة إلى الراحل الأستاذ مشهور بدا بديهيا، كما كان اقتراحه بالعودة إلى فرض الجزية على المسيحيين بديلا عن استبعادهم من القوات المسلحة. وكما يفعل الإخوان كلما صدر منهم تصريح مثير للغط يعبر عن مواقفهم الحقيقية، جاء التراجع سريعا، وكذلك الحجة الأكثر وهَنا فى قاموسهم السياسى وهى أن المرشد الراحل كان يعبر عن مواقفه الشخصية وليس موقف الإخوان كجماعة. سمعت هذا الكلام من مشهور، وسمعناه لاحقا مرات عديدة من الدكتور عصام العريان، ومؤخرا من الشخصية التى اختارها المجلس العسكرى من الإخوان للانضمام إلى لجنة صياغة التعديلات الدستورية الدكتور صبحى صالح. توارى صالح مؤخرا عن الأنظار بعد تصريحاته التى عكست وأكدت مدى الأفق الضيق للإخوان، ورفضهم الاعتراف بحقوق سوى من معهم، وعضو فى جماعتهم بتشكيلاتها السرية والعلنية. لكن المستور، كل المستور، سينكشف لو تولى الإخوان الحكم وقاموا بصياغة الدستور بمفردهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق